لم يكن أول من استخدم المال السياسي وسيلة للفوز في الانتخابات مجرد مرشح عابر، بل كان نقطة تحوّل خطيرة في ثقافة التنافس الانتخابي. هو أول من بدع الرشاوى الانتخابية بشكل علني، وجعل من شراء الأصوات نهجًا مشروعًا في نظر بعض الطامحين. لم يفتح الباب فقط، بل جرّ وراءه كثيرين ممن ساروا على دربه، حتى أصبحت العملية الانتخابية سوقًا مفتوحًا تُشترى فيه الذمم وتُستغل فيه حاجات الناس.
ظهر السماسرة، وتحوّلت بعض الحملات إلى عمليات منظمة لجمع البطاقات الشخصية، وأصبح الصوت الانتخابي يُباع في العلن، دون خجل أو وازع من ضمير. انقلبت المعايير، وصار من يملك المال يملك القرار، لا بالكفاءة ولا بالبرامج، بل بالثمن المدفوع في السوق الانتخابية.
ثم تأتي المفارقة المؤلمة: أن يخرج علينا من يصف هذا الشخص بـ”رجل الخير”! وكأن ما فعله من إفساد للوعي الانتخابي، وتكريس للمال بدلًا من المبدأ، أصبح يُنظر إليه ككرم وإنفاق!
ارحمونا من تزييف الحقائق، فالصمت لم يعد يجدي، والكلمة أصبحت ضرورة، لأننا نكاد نقول ما لا ينبغي أن يُقال.
الضمير الانتخابي ليس سلعة، وصوت المواطن ليس ورقة للبيع… فإما أن نحافظ على ما تبقى من قيم، أو نصمت على خرابٍ قادم لا محالة.




