في يومٍ من الأيام، جلس بجواري أحد الأصدقاء مكتئبًا وكأن الزمن قد عبس في وجهه، فظننت أن الرجل أصابه مكروه أو أن الحياة ضاقت عليه بما رحبت. وحين سألته: “مالك؟” أجابني بمرارة:
أشعر بالجهل الشديد.. عمري ما فتحت كتاب.. معلوماتي في الحياة كلها مستوردة من قعدة القهوة وسرد النكات، وأشهر مقولة ثقافية أعرفها هي “اللي معاه قرش يساوي قرشين”.. ومع ذلك بحلم أبقى في يوم من الأيام مسئول كبير في البلد!
ابتسمت ابتسامة حكيم عصره، وربّتُ على كتفه بحنان، وقلت له:
يا عزيزي.. لو كنت في أي دولة محترمة، كنت هاقولك ارجع اقرأ وتعلم واتثقف، لأن دي شروط أي حد عاوز يوصل لمنصب قيادي.
أما وأنت في هذه البقعة المباركة، فأحب أقولك: مبروك.. أنت مشروع قائد من الطراز الأول.. عندك أهم مؤهلات القيادة: عدم المعرفة، خفة الدم، والقدرة المالية.
ثم تنهدت بعمق وقلت له:
فقط تحلى بالصبر.. وانتظر.. وإني أرى لك مستقبلًا باهرًا في أحد المناصب العليا.. وأهو كله رزق!
ومرت الأيام والشهور والسنون.. وأصبحت نبوءتي واقعًا مُشرقًا.. فأصبح صاحبنا مسئولًا كبيرًا.. يجلس على كرسي فاخر.. ويُصدر التعليمات بثقة العارف بكل شيء، وهو لا يعرف أصلًا أي شيء.. يتحدث في الاقتصاد كأنه آدام سميث.. وفي الطب كأنه ابن سينا.. وفي السياسة كأنه ميكافيلي.. وفي كل شيء كأنه “جوجل” على رجلين.
أما العلم والخبرة والمعرفة؟ فهي مجرد رفاهيات للعامة.. أما الكبار فلا يحتاجون إلا رصيد بنكي محترم، وعلاقات جيدة مع أصحاب القرار، وخفة دم تساعدهم في الاجتماعات الرسمية..
فلا تعجب حين ترى مناصب قيادية ممتلئة بأصحاب النكات والكوميكس، بينما أصحاب الكفاءات يشربون الشاي على المقاهي ينتظرون معجزة.
في النهاية.. إذا أردت أن تحلق في سماء القيادة.. لا تتعب نفسك في القراءة.. فقط تعلم كيف تبتسم في وجه من يدفع أكثر.
وتحيا الجهالة.. وتحيا الفلوس!
بقلم: محمد بدر